بسم الله الرحمن الرحيم
إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام لابن دقيق العيد
كتاب الرضاع
332 - الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ : عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ : { قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بِنْتِ حَمْزَةَ لَا تَحِلُّ لِي ، يَحْرُمُ مِنْ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنْ النَّسَبِ ، وَهِيَ ابْنَةُ أَخِي مِنْ الرَّضَاعَةِ } ( 1 )
صَرِيحُهُ : يَدُلُّ عَلَى أَنَّ بِنْتَ الْأَخِ مِنْ الرَّضَاعَةِ حَرَامٌ ، وَقَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ " يَحْرُمُ مِنْ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنْ النَّسَبِ " الْحَرَامُ مِنْ النَّسَبِ سَبْعٌ : الْأُمَّهَاتُ ، وَالْبَنَاتُ ، وَالْأَخَوَاتُ ، وَالْعَمَّاتُ ، وَالْخَالَاتُ ، وَبَنَاتُ الْأَخِ ، وَبَنَاتُ الْأُخْتِ فَيَحْرُمْنَ بِالرَّضَاعِ كَمَا يَحْرُمْنَ مِنْ النَّسَبِ ، فَأُمُّك كُلُّ مَنْ أَرْضَعَتْك ، أَوْ أَرْضَعَتْ مَنْ أَرْضَعَتْك ، أَوْ أَرْضَعَتْ مَنْ وَلَدَتْك بِوَاسِطَةٍ أَوْ بِغَيْرِ وَاسِطَةٍ ، وَكَذَلِكَ كُلُّ امْرَأَةٍ وَلَدَتْ الْمُرْضِعَةَ وَالْفَحْلَ وَكُلُّ امْرَأَةٍ أُرْضِعَتْ بِلَبَنِك ، أَوْ أَرْضَعَتْهَا امْرَأَةٌ وَلَدَتْهَا ، أَوْ أُرْضِعَتْ بِلَبَنِ مَنْ وَلَدَتْهُ فَهِيَ بِنْتُك . وَكَذَلِكَ بَنَاتُهَا مِنْ النَّسَبِ وَالرَّضَاعِ وَكُلُّ امْرَأَةٍ أَرْضَعَتْهَا أُمُّك ، أَوْ أُرْضِعَتْ بِلَبَنِ أَبِيك فَهِيَ أُخْتُك ، وَكَذَلِكَ كُلُّ امْرَأَةٍ وَلَدَتْهَا الْمُرْضِعَةُ أَوْ الْفَحْلُ ، فَأَخَوَاتُ الْفَحْلِ وَالْمُرْضِعَةِ ، وَأَخَوَاتُ مَنْ وَلَدَتْهُمَا مِنْ النَّسَبِ وَالرَّضَاعِ عَمَّاتُك وَخَالَاتُك ، وَكَذَلِكَ كُلُّ امْرَأَةٍ أَرْضَعَتْهَا وَاحِدَةٌ مِنْ جَدَّاتِك ، أَوْ أُرْضِعَتْ بِلَبَنِ وَاحِدٍ مِنْ أَجْدَادِك مِنْ النَّسَبِ أَوْ الرَّضَاعِ . وَبَنَاتُ أَوْلَادِ الْمُرْضِعَةِ ، وَالْفَحْلِ فِي الرَّضَاعِ وَالنَّسَبِ : بَنَاتُ أَخِيك وَأُخْتِك ، وَكَذَلِكَ كُلُّ أُنْثَى أَرْضَعَتْهَا أُخْتُك أَوْ أُرْضِعَتْ بِلَبَنِ أُخْتِك . وَبَنَاتُهَا وَبَنَاتُ أَوْلَادِهَا مِنْ الرَّضَاعِ وَالنَّسَبِ : بَنَاتُ أُخْتِك ، وَبَنَاتُ كُلِّ ذَكَرٍ أَرْضَعَتْهُ أُمُّك أَوْ أُرْضِعَ بِلَبَنِ أَخِيك ، أَوْ أُخْتِك ، وَبَنَاتُ أَوْلَادِهِنَّ مِنْ الرَّضَاعِ وَالنَّسَبِ : بَنَاتُ أَخِيك وَبَنَاتُ كُلِّ امْرَأَةٍ أَرْضَعَتْهَا أُمُّك أَوْ أُرْضِعَتْ بِلَبَنِ أَبِيك ، وَبَنَاتُ أَوْلَادِهَا مِنْ النَّسَبِ وَالرَّضَاعِ أَوْ أُخْتُك . وَقَدْ اسْتَثْنَى الْفُقَهَاءُ مِنْ هَذَا الْعُمُومِ - أَعْنِي قَوْلَهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ { يَحْرُمُ مِنْ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنْ النَّسَبِ } - أَرْبَعَ نِسْوَةٍ يَحْرُمْنَ مِنْ النَّسَبِ وَلَا يَحْرُمْنَ مِنْ الرَّضَاعِ الْأُولَى : أُمُّ أَخِيك ، وَأُمُّ أُخْتِك مِنْ النَّسَبِ : هِيَ أُمُّك ، أَوْ زَوْجَةُ أَبِيك ، وَكِلَاهُمَا حَرَامٌ وَلَوْ أَرْضَعَتْ أَجْنَبِيَّةٌ أَخَاك أَوْ أُخْتَك : لَمْ تَحْرُمْ . الثَّانِيَةُ : أُمُّ نَافِلَتِك : أُمُّ بِنْتِك ، أَوْ زَوْجَةُ ابْنِك . وَهُمَا حَرَامٌ ، وَفِي الرَّضَاعِ قَدْ لَا تَكُونُ بِنْتًا وَلَا زَوْجَةَ ابْنٍ ، بِأَنْ تُرْضِعَ أَجْنَبِيَّةٌ نَافِلَتَك . الثَّالِثَةُ : جَدَّةُ وَلَدِك مِنْ النَّسَبِ : إمَّا أُمُّك ، أَوْ أُمُّ زَوْجَتِك ، وَفِي الرَّضَاعَةِ قَدْ لَا تَكُونُ أُمًّا وَلَا أُمَّ زَوْجَةٍ ، كَمَا إذَا أَرْضَعَتْ أَجْنَبِيَّةٌ وَلَدَك فَأُمُّهَا جَدَّةُ وَلَدِك ، وَلَيْسَتْ بِأُمِّك ، وَلَا أُمِّ زَوْجَتِك . الرَّابِعَةُ : أُخْتُ وَلَدِك مِنْ النَّسَبِ : حَرَامٌ ؛ لِأَنَّهَا إمَّا بِنْتُك أَوْ رَبِيبَتُك ، وَلَوْ أَرْضَعَتْ أَجْنَبِيَّةٌ وَلَدَك ، فَبِنْتُهَا أُخْتُ وَلَدِك ، وَلَيْسَتْ بِبِنْتٍ وَلَا رَبِيبَةٍ . فَهَذِهِ الْأَرْبَعُ مُسْتَثْنَيَاتٌ مِنْ عُمُومِ قَوْلِنَا { يَحْرُمُ مِنْ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنْ النَّسَبِ } . وَأَمَّا أُخْتُ الْأَخِ : فَلَا تَحْرُمُ مِنْ النَّسَبِ ، وَلَا مِنْ الرَّضَاعِ ، وَصُورَتُهُ : أَنْ يَكُونَ لَك أَخٌ مِنْ أَبٍ وَأُخْتٌ مِنْ أُمٍّ ، فَيَجُوزُ لِأَخِيك مِنْ الْأَبِ نِكَاحُ أُخْتِك مِنْ الْأُمِّ ، وَهِيَ أُخْتُ أَخِيهِ . وَصُورَتُهُ مِنْ الرَّضَاعِ : امْرَأَةٌ أَرْضَعَتْك وَأَرْضَعَتْ صَغِيرَةً أَجْنَبِيَّةً مِنْك ، يَجُوزُ لِأَخِيك نِكَاحُهَا ، وَهِيَ أُخْتُك وَفِي مَعْنَى هَذَا الْحَدِيثِ : حَدِيثُ عَائِشَةَ الَّذِي بَعْدَهُ ، وَهُوَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ { إنَّ الرَّضَاعَةَ تُحَرِّمُ مَا يَحْرُمُ مِنْ الْوِلَادَةِ } وَهُوَ .
333 - الْحَدِيثُ الثَّانِي : عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { إنَّ الرَّضَاعَةَ تُحَرِّمُ مَا يَحْرُمُ مِنْ الْوِلَادَةِ } 334 - وَعَنْهَا قَالَتْ { إنَّ أَفْلَحَ - أَخَا أَبِي الْقُعَيْسِ - اسْتَأْذَنَ عَلَيَّ بَعْدَمَا أُنْزِلَ الْحِجَابُ ؟ فَقُلْت : وَاَللَّهِ لَا آذَنُ لَهُ ، حَتَّى أَسْتَأْذِنَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّ أَخَا أَبِي الْقُعَيْسِ : لَيْسَ هُوَ أَرْضَعَنِي ، وَلَكِنْ أَرْضَعَتْنِي امْرَأَةُ أَبِي الْقُعَيْسِ ، فَدَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْت : يَا رَسُولَ اللَّهِ : إنَّ الرَّجُلَ لَيْسَ هُوَ أَرْضَعَنِي ، وَلَكِنْ أَرْضَعَتْنِي امْرَأَتُهُ . فَقَالَ : ائْذَنِي لَهُ ، فَإِنَّهُ عَمُّك ، تَرِبَتْ يَمِينُك } . قَالَ عُرْوَةُ " فَبِذَلِكَ كَانَتْ عَائِشَةُ تَقُولُ : حَرِّمُوا مِنْ الرَّضَاعَةِ مَا يَحْرُمُ مِنْ النَّسَبِ " 335 - وَفِي لَفْظٍ { اسْتَأْذَنَ عَلَيَّ أَفْلَحُ ، فَلَمْ آذَنْ لَهُ . فَقَالَ : أَتَحْتَجِبِينَ مِنِّي ، وَأَنَا عَمُّك ؟ فَقُلْت : كَيْفَ ذَلِكَ ؟ قَالَ : أَرْضَعَتْك امْرَأَةُ أَخِي بِلَبَنِ أَخِي ، قَالَتْ : فَسَأَلْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : صَدَقَ أَفْلَحُ ، ائْذَنِي لَهُ ، تَرِبَتْ يَمِينُك } أَيْ افْتَقَرَتْ ، وَالْعَرَبُ تَدْعُوَا عَلَى الرَّجُلِ ، وَلَا تُرِيدُ وُقُوعَ الْأَمْرِ بِهِ . 336 - وَعَنْهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ { دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعِنْدِي رَجُلٌ ، فَقَالَ : يَا عَائِشَةُ ، مَنْ هَذَا قُلْت : أَخِي مِنْ الرَّضَاعَةِ . فَقَالَ : يَا عَائِشَةُ : اُنْظُرْنَ مَنْ إخْوَانُكُنَّ ؟ فَإِنَّمَا الرَّضَاعَةُ مِنْ الْمَجَاعَةِ } .
اُنْظُرْنَ مَنْ إخْوَانُكُنَّ " نَوْعٌ مِنْ التَّعْرِيضِ ، لِخَشْيَةِ أَنْ تَكُونَ رَضَاعَةُ ذَلِكَ الشَّخْصِ وَقَعَتْ فِي حَالِ الْكِبَرِ ، وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ كَلِمَةَ " إنَّمَا " لِلْحَصْرِ ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ حَصْرُ الرَّضَاعَةِ الْمُحَرَّمَةِ فِي الْمَجَاعَةِ ، لَا مُجَرَّدُ إثْبَاتِ الرَّضَاعَةِ فِي زَمَنِ الْمَجَاعَةِ .
337 - الْحَدِيثُ الثَّالِثُ : { عَنْ عُقْبَةَ بْنِ الْحَارِثِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ تَزَوَّجَ أُمَّ يَحْيَى بِنْتَ أَبِي إهَابٍ ، فَجَاءَتْ أَمَةٌ سَوْدَاءُ ، فَقَالَتْ : قَدْ أَرْضَعْتُكُمَا ، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : فَأَعْرَضَ عَنِّي . قَالَ : فَتَنَحَّيْت ، فَذَكَرْت ذَلِكَ لَهُ . قَالَ : كَيْفَ ؟ وَقَدْ زَعَمَتْ أَنْ قَدْ أَرْضَعَتْكُمَا } .
مِنْ النَّاسِ مَنْ قَالَ : إنَّهُ تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْمُرْضِعَةِ وَحْدَهَا فِي الرَّضَاعِ ، أَخْذًا بِظَاهِرِ هَذَا الْحَدِيثِ ، وَلَا بُدَّ فِيهِ مَعَ ذَلِكَ أَيْضًا - إذَا أَجْرَيْنَاهُ عَلَى ظَاهِرِهِ - مِنْ قَبُولِ شَهَادَةِ الْأَمَةِ ، وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ يُقْبَلْ ذَلِكَ ، وَحَمَلَ هَذَا الْحَدِيثَ عَلَى الْوَرَعِ وَيُشْعِرُ بِهِ قَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ " كَيْفَ وَقَدْ قِيلَ ؟ " وَالْوَرَعُ فِي مِثْلِ هَذَا مُتَأَكِّدٌ . " وَعُقْبَةُ بْنُ الْحَارِثِ " هُوَ أَبُو سِرْوَعَةَ - بِكَسْرِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الرَّاءِ وَفَتْحِ الْوَاوِ وَالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
338 - الْحَدِيثُ الرَّابِعُ : عَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ { خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَعْنِي مِنْ مَكَّةَ - فَتَبِعَتْهُمْ ابْنَةُ حَمْزَةَ ، تُنَادِي : يَا عَمُّ ، فَتَنَاوَلَهَا عَلِيٌّ فَأَخَذَ بِيَدِهَا ، وَقَالَ لِفَاطِمَةَ : دُونَك ابْنَةَ عَمِّك ، فَاحْتَمَلْتُهَا . فَاخْتَصَمَ فِيهَا عَلِيٌّ وَجَعْفَرٌ وَزَيْدٌ فَقَالَ عَلِيٌّ : أَنَا أَحَقُّ بِهَا ، وَهِيَ ابْنَةُ عَمِّي وَقَالَ جَعْفَرٌ ابْنَةُ عَمِّي ، وَخَالَتُهَا تَحْتِي وَقَالَ زَيْدٌ : ابْنَةُ أَخِي فَقَضَى بِهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِخَالَتِهَا ، وَقَالَ : الْخَالَةُ بِمَنْزِلَةِ الْأُمِّ . وَقَالَ لِعَلِيٍّ : أَنْتَ مِنِّي ، وَأَنَا مِنْك وَقَالَ لِجَعْفَرٍ : أَشْبَهَتْ خَلْقِي وَخُلُقِي وَقَالَ لِزَيْدٍ : أَنْتَ أَخُونَا وَمَوْلَانَا } .
الْحَدِيثُ أَصْلٌ فِي بَابِ الْحَضَانَةِ ، وَصَرِيحٌ فِي أَنَّ الْخَالَةَ فِيهَا كَالْأُمِّ ، عِنْدَ عَدَمِ الْأُمِّ . وَقَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ { الْخَالَةُ بِمَنْزِلَةِ الْأُمِّ } سِيَاقُ الْحَدِيثِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا بِمَنْزِلَتِهَا فِي الْحَضَانَةِ وَقَدْ يَسْتَدِلُّ بِإِطْلَاقِهِ أَصْحَابُ التَّنْزِيلِ عَلَى تَنْزِيلِهَا مَنْزِلَةَ الْأُمِّ فِي الْمِيرَاثِ ، إلَّا أَنَّ الْأَوَّلَ أَقْوَى . فَإِنَّ السِّيَاقَ طَرِيقٌ إلَى بَيَانِ الْمُجْمَلَاتِ ، وَتَعْيِينُ الْمُحْتَمَلَاتِ وَتَنْزِيلُ الْكَلَامِ عَلَى الْمَقْصُودِ مِنْهُ وَفَهْمُ ذَلِكَ - قَاعِدَةٌ كَبِيرَةٌ مِنْ قَوَاعِدِ أُصُولِ الْفِقْهِ وَلَمْ أَرَ مَنْ تَعَرَّضَ لَهَا فِي أُصُولِ الْفِقْهِ بِالْكَلَامِ عَلَيْهَا وَتَقْرِيرِ قَاعِدَتِهَا مُطَوَّلَةً إلَّا بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ مِمَّنْ أَدْرَكْنَا أَصْحَابَهُمْ وَهِيَ قَاعِدَةٌ مُتَعَيَّنَةٌ عَلَى النَّاظِرِ ، وَإِنْ كَانَتْ ذَاتَ شَغَبٍ عَلَى الْمُنَاظِرِ . وَاَلَّذِي قَالَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِهَؤُلَاءِ الْجَمَاعَةِ مِنْ الْكَلَامِ الْمُطَيِّبِ لِقُلُوبِهِمْ : مِنْ حُسْنِ أَخْلَاقِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَعَلَّك تَقُولُ : أَمَّا مَا ذَكَرَهُ لِعَلِيٍّ وَزَيْدٍ : فَقَدْ ظَهَرَتْ مُنَاسَبَتُهُ ؛ لِأَنَّ حِرْمَانَهُمَا مِنْ مُرَادِهِمَا مُنَاسِبٌ لِجَبْرِهِمَا بِذِكْرِ مَا يُطَيِّبُ قُلُوبَهُمْ وَأَمَّا جَعْفَرٌ : فَإِنَّهُ حَصَلَ لَهُ مُرَادُهُ مِنْ أَخْذِ الصَّبِيَّةِ ، فَكَيْفَ نَاسَبَ ذَلِكَ جَبْرَهُ بِمَا قِيلَ لَهُ ؟ فَيُجَابُ عَنْ ذَلِكَ : بِأَنَّ الصَّبِيَّةَ اسْتَحَقَّتْهَا الْخَالَةُ وَالْحُكْمُ بِهَا لِجَعْفَرٍ بِسَبَبِ الْخَالَةِ لَا بِسَبَبِ نَفْسِهِ ، فَهُوَ فِي الْحَقِيقَةِ غَيْرُ مَحْكُومٍ لَهُ بِصِفَتِهِ فَنَاسَبَ ذَلِكَ جَبْرَهُ بِمَا قِيلَ لَهُ .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق